السبت، 18 أبريل 2009

لغة الموسيقى 2

حضرت صغرى الخالات.. الطالبة في كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق لقضاء بضعة أيام ولإعداد بحث عن الرسم عند الأطفال..
ولمن لا يعلم فإن بيتنا في إربد كان يبعد عن بيت جدتي في دمشق مسير أقل من ساعتين في السيارة..
تحلق الصغار من أطفال أخواتها وبعض الأصدقاء.. وعلى أنغام زياد الرحباني وصوت فيروز مع هدير البوسطة.. انتشرت الأوراق والألوان على السجادة في بيت الجدة..
حلقت أحلام الصغار وحطت على الصفحات البيضاء.. حملت الخالة الرسومات.. وشرعت في كتابة البحث المطلوب..
في الزيارة التالية همست لي بملاحظة أستاذها في الكلية حول رسومات طارق: ديري بالك على هذا الطفل.. ليس شرطا أن يصبح رساما إنما لديه شيء مهم..
بقيت ملاحظة أستاذ كلية الفنون الجميلة ماثلة في ذهني كلما تظلم ابني من عسف معلم أو مدير مدرسة..
كأم لثلاثة أطفال.. لم تتلق في حياتها أي تدريب لتكون أم إلا بما اكتسبته وشاهدته سواء ما كان من تجربة أمي في تربيتنا أو تجارب الأمهات الأخريات.. قرأت كل ما يقع تحت يدي من كتب حول أصول التربية..
أتمعن في ردود أفعال الأطفال والأمهات الصغيرات.. علني أجد جوابا لما أواجهه من مآزق مع أطفالي..
قرأت عن آينشتاين وداروين وأديسون
حزنت لطرد والد داروين لابنه.. وفشل آينشاتين في مادة الحساب
واتخذت من أم أديسون نموذج للأم المؤمنة بما يمتلك أولادها حين ردت على أساتذة ابنها بقولها: إن عقل هذا الصغير أكبر بكثير من عقول كل أساتذته
عرفت يومها أن ما يتلقاه ابني وأبنائنا في المدارس من دروس لا يرقى إلى تطلعات الطالب الموهوب
كان شراء الكتب واقتناءها إحدى عادات البيت..
الولد المتفوق في الدراسة والذي كانت شهاداته المدرسية تحمل دائما أعلى الدرجات وتوقيع أساتذته لفطنته وتميزه..أصبح يهرب من المدرسة..
لم يخبرني بسره ولم يقل لي أحد.. مجرد أن تزوغ العينان أدرك أن هناك شيء ما..
في صباح من صباحات الجمعة.. وفيروز تشجو بأغنيات ذهب أيلول وما فيها من شجن وحزن..
طارق لم يزل يتقلب في فراشه بين النوم والصحو.. دخلت غرفته لأوقظه.. وإذ بي أسمع صوته يطالبني برجاء أن أوقف غناء فيروز.. لا أستطيع النهوض من الفراش أرجوك أمي..
سوف أدرك فيما بعد أنه كان يتألم بشدة إن أخفى عني ما يغضبني.. ويبدو أن حزن الموسيقى في أغنيات : أنا عندي حنين .. و.. ذهب أيلول .. وياريت.. أثرن ألمه..
بالأمس سألني طارق: ماذا تعني كلمة طرب؟
والطرب في اللغة هو ذاك الشعور الجارف سواء كان فرحا أو حزنا وأصله من الأطراب وهي شرايين القلب
.. وليس أدل على ذلك من قول قيس بن الملوح:
وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى.. فهيج أطراب الفؤاد وما يدري.. دعا باسم ليلى غيرها فكأنما أطار ب ليلى طائرا كان في صدري
جاءت الثانوية العامة بكل ما تحمله أعباء نفسية وذهنية للبيت والأب والأم والأقارب والجيران والزميلات والزملاء.. الكل يغدو معنيا بدراسة ابن التوجيهية.. كيف يدرس.. وما هي علاماته.. وماذا يريد أن يصبح..
كنت أسمع أن جدي لأبي كان ممن يرتجلون القصيد.. وينظم الشعر.. وللأسف بدا اهتمامي بالبحث عن جذور الشعر والموسيقى في العائلة بعد رحيل والدي الذي كان يردد دائما قصيدة كان قد نظمها جدي حسب الحروف الهجائية بمعنى أن البيت الأول في القصيدة تبتدئ كل كلمة من كلماته بحرف الألف والثاني بالباء وهكذا إلى أن ينتهي من جميع الحروف
وسوف يسر لي عمي أحمد فيما بعد.. بأن جدي كان عازف مجيد على الربابة.. إلا أن النظرة الاجتماعية لمثل هذا الميل وهو ابن العائلة المحافظة دفعه إلى تحطيم ربابته على جدار البيت..
..
كان في الصف العاشر حين حضر لدعوتنا على حفل زفافه طبيب من الأقارب.. وطلب من طارق أن يحضر معه الأورغ لأنه لا يرغب بفرقة موسيقية تردد أغان الشارع..
قبل موعد الفرح أجلس جدته "أمي" إلى جواره وطلب منها أن تدندن بالأغاني التي تحبها..
هي تدندن وهو يكتب الألحان بالأورغ..
من موسيقى الهوانم لدقة ستي والقدود الحلبية وعدد مما تحفظه في ذاكرتها من ألحان وأغان تركية
.. ليلة رحيلها سيكتشف أنها مازالت محتفظة بذلك "الكاسيت" الذي سجله كدرس أول للموسيقى الفلكلورية
..
أثناء العزف في حفل فرح الطبيب
اقترب منه والد العريس هامسا وقد كان يعمل آنذاك في سلك القضاء وبالتحديد عضو محكمة التمييز: أتمنى أن لا تتخذ من العزف مهنتك لتكن هواية فحسب..
www.rummusic.com

ليست هناك تعليقات: