الثلاثاء، 10 يوليو 2007

درج الورد


!...إنهم جيراننا في الدرج كنا متجاورين على درج واحد.. لم نغادر الدرج بعد أن تزوجنا.. أردنا لأولادنا أن يلعبوا ويكبروا في حارة الدرج.. وهاهم الآن يغادرون الحارة!
لم تعد الحارة كما كانت عليه أيام زمان
تهمس بين وبين نفسها.....
ثمة حارات في عمان تقع على الدرج.. فالدرج أقدم وسيلة مواصلات.. هذا ما تردده دوما صديقتي الفنانة والمهندسة المعماري....
الأدراج تصل ما بين البلد والسوق.. مثلما تصل ما بين الجيران
للجيرة في الدرج نكهة خاصة..
كلما ارتقيت بضع درجات.. ستدهشك أبواب وبيوت.. فالبيوت تشبه ساكنيها.. والأبواب تشي بمفاتيح أصحابها.. .التجول في عمان القديمة.. يعني الانتقال من جبل إلى جبل.. أو من البلد إلى الجبل الدرج وسيلته.. واستراحات تتيح للصاعدين الجلوس إن نالهم تعب .وللتجول في عمان القديمة متعة خاصة.. يمتزج في داخل النفس الاندفاع الطفولي نحو الاكتشاف مع الرغبة الجوانية للإنسان في البحث في الزوايا المنسية عما يقوده لفضاءات جديدة تبعث الدهشة، كلما هبط أو صعد الدرج..
وبالرغم ما نال تلك الأماكن الحميمة من هجر وإهمال.. إلا أنها ما زالت تحكي للعابرين كيف ذابت درجاتها من تعاقب خطوات أهل الدرج والمارة..
كان الدرج الحجري للأطفال ملعبا.. يلوذون به عن الحر والنهر.. ويذود عنهم نهش السيارات الماجنة لأجساد غضة لم تتعلم بعد معنى الكوابح...تشرع شمس الصباح أبواب البيوت فيندفع الصغار إلى مدارسهم والكبار إلى أعمالهم.. يلتقون في الدرج.. يتبادلون التحيات..
ثمة دردشة لا تنتهي بين جيران الدرج..! بعد ذهاب الزوج والصغار للعمل والمدرسة.. تتحرر الأمهات لساعات..تلتقي النساء على الدرج.. يجتمعن بعيدا عن البيت ولا يبتعدن عن متابعة مسؤولياته.تدور القهوة ، بتلقائية في كل يوم جديد قهوة جديدة بمذاق مختلف.....تتبادل النسوة أخبار الدرج.. يتهامسن بأخبار سكان الأدراج المجاورة إن كان هناك ثمة حكاية شيقة وتعمل أيديهن في تنظيف ضمة بقدونس وتقشير بطاطا أو نسج الصوف.في الظهيرة . . يحتل الأطفال الدرج.. إنه الملعب ، البنات والأولاد، كل له لعبته.يبدأ العمل لدى الأطفال في اللحظة التي يصل الواحد منهم باب بيته ؛ يلقي بحقيبة كتبه إلى جوار الباب.. ويسارع للانضمام لرفاق الدرج..
مع اقتراب عودة الأب يتسلل مزيج من روائح أطعمة مختلفة.. فيهرع كل إلى بيته .في أماسي الصيف.. الدرج مكانا للسهر والسمر.تتسابق الفتيات لشطف الدرج ويدور دلو ماء يروي نباتات مزروعة على جنباته.. وتفرش البسطوالسجاجيد الصغيرة.. وبضع كراسي من القش المجدول..
غالبا ينفرد الرجال بالدرج في الجلسات المسائية.. يلعبون الطاولة ويدخنون الأرجيلة.. وصوت مذياع يبث الأخبار تباعا.. يرتفع صوت الحوار.. يصل في بعض الأحيان إلى النزاع.. تنتهي بإلقاء تحية المساء أو قد تمتد حتى الصباح.اليوم...هناك من هجر الدرج إلى الضواحي الجديدة.
إلا أنه قد يحلو له بين الحين والآخر أن يستحضر صحبة الدرج..
يرنو إلى عشبة صغيرة لم تطالها الأقدام..
يبحث عن حكاية قديمة..
قد يصادف أطفالا يلعبون.. أو محبيَن لاذا عن أعين الفضوليين...أجمل ما في الأدراج أنها لابد أن تفضي إلى مكان مختلف... بعضها يقود إلى ضجيج الأسواقوآخر قد يفضي إلى طرقات يقيم فيها السكون...
الدرج الحجري يفسح لمياه الأمطار بالتسلل من شقوقه.. تلتقي قطرات المياه بحنين البذرة للإزهار فتعشوشب الانحناءات.. وتطل البهجة من الدرج كل ربيع.....في ثقافة حارات الادراج.. الدرج جزء من البيت.. يتوزع الجيران الأدوار لإبقاءه نظيفا.. مضيئا بنباتات وشجيرات تصطف على جنباته.. ‍‍.وتتشابك أشجار الزنزلخت بشجيرات الياسمين لتلقي بظلالها على المارة وعلى مدخل البيت.لكل مكان ثقافته.. يستل مفرداتها وحكاياتها من تفاصيل المكان..
ولساكني البيوت الواقعة على الدرج في المدن الجبلية أغانيهم ‍. التجول في الطرقات القديمة وخاصة الأدراج.. متعة وفسحة للتأمل ومكان نواري به حزننا عن أعين الفضوليين عند غياب صديق أو مفارقة عزيز غال.. يحضننا بظله ويحتفظ بسرنا
في كل مرة أجتاز فيها درج عماني قديم..
يدندن صدى أغنية فيروزية قديمة...
ورق الورد يغمر بيتناودرج الورد ساحب ورانا
وبين الورد طاير بيتنا
وتحت الورد خيمة هوانا
......
حبينا سنين ونطرنا سنين
وعدنا تلاقينا ع درج الياسمين

ليست هناك تعليقات: