البائع في المكتبة يراكم أمامها كتب لكاتبات عربيات من الجزيرة العربية ومن مشرق ومغرب البلاد العربية..
يسهب في وصف كتابات النساء العربيات وشجاعتهن في تعرية ذواتهن..
في السبعينيات انتشرت ظاهرة الميني والميكروجيب بشكل سافر في بلادنا واجتاحت المدن الصغيرة.. لم ترق لها هذه الموضة وهي معلمة وأم شابة كي لا ينشغل
محدثها في التسلل إلى خصوصية تنأى بها عن الشارع.
أحبت من الملابس ما يمنحنها الجمال من غير تطرف أو تزمت...في معرض للصور عن الأدوار التي تقوم بها المرأة.. أقامته واحدة من النساء المهتمات بالدعوة للتحرر والمساواة..
شمل المعرض صورا لنساء قرويات يقمن بإعداد الخبز على نار الحطب وأخريات يعملن في الحقول والحصاد.. أصغت لهمس النساء المسنات اللواتي جيئ بهن خصيصا لمناقشة قضية اضطهاد وعبودية المرأة..كن يتنهدن ويرددن: سقالله أيام كنا نأكل الخبز الطازج من قمح الأرض الذي نزرعه ونحصده بأيدينا..اليوم الذي يذهب لا يعود أبدا
وتابعت البحث في جديد غابرييل جارسيا وإيزابيل الليندي.. التقطت مجموعة بيرم التونسي.. ووقعت عيناها على مجموعة قصصية قصيرة لميلان كونديرا.. أضافتها لمجموعتها المختارة.. إنها المرة الثالثة التي تقتني فيها رواية كونديرا هذه.
نحت الروايات النسائية جانبا.. روايات بات الغرب مغرم بترجمتها وتوزيعها على نطاق واسع.. من أجل التأكيد على تخلف مجتمعاتنا ولتبرير الوصاية الغربية الأمريكية.. هل التقينا من قبل.. أشعر أني التقيتك.. وسمعت هذا الصوت من قبل.
التفتت .. لم يكن هناك غيرها وغير الشاب الذي صعد معها إلى قسم الروايات والأدب في مكتبة مدبولي في شارع طلعت حرب..غاصت بين عناوين الروايات وكتب الشعر..
لم تلحظ الرجل المسن الذي يقف إلى جوارها : هل نعرف بعض من قبل؟
هزت رأسها بالنفي ورددت بصوت يبحث في الذاكرة: عفوا.. لا أذكر أني التقيتك.. أو ربما نكون التقينا في أحد الأماكن العامة.. أحيانا يحدث هذا.. ما يجعلنا نعتقد بأننا نعرف من نلتقيهم.... عرفته بنفسها..عرف بنفسه، لم تسمع باسمه من قبل..
تابعت مبتسمةة: أجمل ما في التقدم بالعمر.. أننا نتحرر من الخوف الذي يجعلنا نخفي أسماءنا وكنية عائلتنا وأين نقيم.. وخاصة بالنسبة للفتيات.. لأننا ونحن في مرحلة الصبا نخشى الإيقاع بنا من وله الشباب المتهور..بيد احتضنت مجموعة الكتب التي اختارتها.. ومدت يمناها تستأذن وتصافح الرجل بدا لها وكأنه يبحث عنها..
تركت مكتبة مدبولي ووقفت على الرصيف.. تلفتت تبحث عن مقهى تتصفح فيه الكتب التي اختارتها..
اكتشفت أنها تقف مقابل مقهى جروبي، هذا المكان الذي شهد غراميات شخوص إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي في روايات شغلت حياتنا في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي..
اختارت طاولة صغيرة بعد أن طلبت القهوة مع بضع حبات من الشوكلاتة سارعت إلى تصفح كتاب كونديرا.. بحثا عن فكرة معينة..
قرأت: تكمن قيمة الإنسان البشري.. حين يتجاوز الإنسان نفسهليس أجمل من أن تكون في الغير.. أن تعيش في ذاكرة أخرى..أن تكون خارج نفسك...
بأنفاسها أزاحت الرغوة الكثيفة من على وجه القهوة....
تجهد في استحضار وجه الرجل الذي التقته في مكتبة مدبولي.. وجه رجل تجاوز الستين..فكرت أن تعيد للوجه نضارة الفتيان.. فتى في السادسة عشر من عمره..ينتظر أمام حافلة.. تتقدم للصعود فيبتعد قليلا مفسحا لها الطريق..ترتسم طيف ابتسامة على وجهها وتتخذ لها مكانا مجاور لفتاة تكبرها.. يبدأ معاون السائق بجمع القطع النقدية.. يتجاوزها..
تنده عليه بصوت خجول:لو سمحت؟تأتيها الإجابة: مدفوع تسأل بحذر: من دفع؟
يشير إلى الفتى الجالس خلفها..ترتبك.. لا تعرف الفتى..
لمحته منذ يومين فقط يقف عند موقف الحافلات..
تعتذر : لو سمحت تفضل.. لا أريد لأحد أن يدفع..صوت ارتطام على أرضية الحافلة....وقطعة نقدية ملقاة تحت قدميها..
هبطت الحافلة وتوجهت إلى البيت...انشغلت مع شقيقاتها في الدراسة واللهو ونسيت أمر الفتى.صباح اليوم التالي..
صعدت الحافلة واتخذت مقعدا خلفها صعد الفتى.. وبلمح البصر ألقى بحجرها مغلف انتفخ بالأوراق..
يبدو أن الفتى لم يغمض عينيه ليلة أمس..ولكن ماذا ستفعل بهذه الرزمة من الأوراق والتي لا تعرف ما كتب بها!..
لا يمكنها إخفاءها عن أعين البنات في المدرسة.. وهي لا تعرف الفتى ستكون عرضة لأقاويل لمجرد أنها نالت إعجاب فتى لم تعرفه ولم تعده بشيء.... ..
غادرت الحافلة والمغلف الخطير ..رغم أنها بدأت بتقطيع المغلف إلى أوصال.. تمنت لو تعرف ما حوته الأوراق..
بدأت تذر النتف الورقية في الطريق إلى أن وجدت نفسها تقف أمام بوابة المدرسة..
زعقت سيارة وهي تهم باجتياز البوابة..
التفتت .. نقدت النادل في مقهى جروبي..
أشارت لسيارة أجرةلمحت الفتى المسن يقف على الرصيف المقابل خارجا من مكتبة مدبولي متأبطا مجموعة من الكتب
8 - 3 - 2007 .. .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق