السبت، 15 يناير 2011

تونس ابن خلدون والشابي

كان الوقت عصرا .. حين حطت الطائرة في أرض (أليسار ملكة قرطاج) أول ملكة عربية في التاريخ، وصلت الفندق وبعد أن استقرت حقيبتي في الغرفة المخصصة لي في الفندق .. سارعت إلى مغادرة الفندق لأكتشف على الأقل الشارع الذي سأقيم فيه قبل حلول الظلام.. لم أكن أعرف بعد أن احتفاء الشعب التونسي بشهر رمضان المبارك يفوق ما تشهده بعض المدن العربية التي تضرب بيد من حديد على من ينتهك حرمة الشهر الفضيل اجلالا وتقديرا.وقفت بباب الفندق وسألت عن الطريق إلى باب تونس القديمة، وقد أخبرني سي مختار الرصاع (رئيس مهرجان المدينة آنذاك ومن مؤسسي جمعية حماية وصيانة مدينة تونس) أن الفندق يقع على مقربة منها، .. ولم أكن قد التقيت بعد بأحد من وفود مهرجان المدينة.أحب استكناه رائحة ومذاق المدينة التي أزورها لأول مرة وحدي، كان هناك يقف ممشوقا يضم كتابه إلى صدره، الكتاب الذي أضاء وأسس لعلم لم يترجم في بلادنا وعيا اجتماعيا أو سياسيا، ولم نقدره حق قدره نحن العرب، كما استفاد منه الغرب. اجتزت الحديقة الصغيرة المحيطة به وجلست إلى جوار شابين يتأبط كل منهما كراسات وكتب عرفت منهما فيما بعد أنهما يدرسان التاريخ ، أشار الشاب إلى مبنى الكاتدرائية على يمينه ومبنى آخر من الطراز الفرنسي على يساره قائلا: هذا مقر الانتداب الفرنسي وهذه الكاتدرائية وهناك خلف ابن خلدون تونس القديمة.. بعد أن تجولت قليلا في أزقة المدينة، أستحضر أسماء مشغولات وصناعات قرأتها في الكتب المدرسية من زرابي وأواني للأطعمة، نبض حار لمدينة جمعت بين الأصالة والتمدن..لم يتوقف هذا النبض من ق.م حتى هذه اللحظة. كان علي أن أعود للفندق فقد اقترب موعد الإفطار وسألتقي أصدقاء عرب وآخرين من مختلف أنحاء العالم على مائدة الإفطار في فندق الهناء، سألتني الصديقة وفاء قسوس: أين كنت.. سمعت بأنك وصلت بحثت عنك ولم أجدك؟ أجبت وإشراق داخلي يبعث بالكلمات من مخيلة كنت ظننتها نضبت: كنت عند ابن خلدون، ولقد سألته لماذا يعطي ظهره لتونس القديمة؟ فأجابني بأنه مطمئن على إرث تونس الثقافي، لذا هو يطل على شارع بورقيبة الجديد ليتابع ما ستؤول إليه المجتمعات الجديدة في تونس.. أثناء متابعتي غليان الشارع في تونس الحبيبة لفت انتباهي أن التغيير جاء من هناك.. ما بين باب بحر (التشديد على تسكين حرف الحاء كما ينطقه التوانسة) و نصب ابن خلدون وشارع البحر ،الذي أطلق عليه فيما بعد شارع الحبيب بورقيبة !!!هناك الكثير من الذكريات ليس فقط عن مدينة تونس .. هناك جربة ومدنين،طبرقة مدينة المرجان ونابل مدينة الخزف، مطماطة وسوسة والحمامات وسيدي بوسعيد وقمرت .. كنت ألهث من مكان إلى مكان برفقة أصدقاء وصديقات، توانسة ولبنانية ومن فلسطين والأردن والعراق..أزور ما كنت قرأت عنه عن تونس الخضراء ..
لتونس والتوانسة ترنو الآن كل الأفئدة .. والأرواح المنهكة ..
حماك الله يا تونس وعاش البوعزيزي الذي أضاء
بناره عتمات دروب الثورة هذه الكلمة التي كدنا نظن أنها صارت في غياهب النسيان .. صباح 15 يناير 2011

رسالة حب وعرفان

مصر التي في خاطري

" ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ" صدق الله العظيم

ستبقى مصر في خاطري أم الدنيا في البدء كانت المجلات المصرية ابتداءً من مجلة سمير وصديقه تهته إلى الكواكب وحواء ومن ثم آخر ساعة وصباح الخير وروز اليوسف.. وفيما بعد روايات الهلال العالمية والعربية ، والعربية هي روايات المنفلوطي أونجيب محفوظ، يوسف إدريس أو توفيق الحكيم ..

كنا ننهل من ثقافة عربية مصرية شاملة لكل أشكال الثقافة والفنون، فأصغيت مع أبناء جيلي إلى روائع الموسيقى العربية من السنباطي إلى بليغ حمدي.. وكانت السينما المصرية بالنسبة لنا هي السينما العربية، للتفريق بينها وبين الأفلام الأجنبية..

حتى وإن قال قائل أن المشرقيين كان لهم دور في ازدهار الفنون والثقافة في مصر.. فريد الأطرش وأسمهان ونجيب الريحاني ودولت وجورج أبيض وغيرهم..

ولكن كيف لهؤلاء أن يكونوا ما صاروا إليه من الشهرة والانتشار لولا أن مصر كانت أما وحاضنة رؤوم لإبداعاتهم..؟

هذه قبضة صغيرة من فيض مما كانت عليه مصر المعرفة والفنون..

أقول قولي هذا وأوكل أمري لله، وأنا أرقب وأتابع وزير الإعلام على شاشة التلفاز في مهرجان القاهرة للإعلام العربي يسلم جوائز الإبداع العربي للشباب المبدعين، لتتقاسم مناصفة بين جيلين لإنصاف الإبداع.

فقد ساوت جائزة الإبداع الموسيقي للأعمال التاريخية بين المعلم والتلميذ..

وفي رأيي المتواضع أن يحظى طارق الناصر بجائزة ذهبية بالتساوي مع رائد التجديد وأحد أعمدة الموسيقى العربية المعاصرة الموسيقار عمر خيرت، لهو بحد ذاته جائزة فوق جائزة ..!

كلما مر ذكر مصر .. تتسللني موسيقى السنباطي بصوت أم كلثوم وكلمات أحمد رامي..

(مصر التي في خاطري وفي دمي أحبها من كل روحي ودمي)

بيفاعتنا تعلقنا بمصر، فتعلمنا أبجدية الإنتماء وتشربنا حب الوطن، ودفعنا هذا الحب إلى التمعن في المكان والناس وكل ما
يمنحنا هوية نعتد بها..وعاهدناه أن لا ندير ظهورنا له أيا كانت العثرات التي نواجهها..

ولعل هناك من يشاطرني الرأي من أبناء جيلي، بأن لن ينقص من ولائي لوطني، أن أدين بما أنا عليه الآن، إلى ما نشأت عليه
من نتاج ثقافة مصر العربية..

واسلمي يا مصر