الأربعاء، 1 أبريل 2009

مسقط .. هيبة وبهاء

إنها الزيارة الثانية إلى سلطنة عمان.... تبدو لي مدينة مسقط كما لو أنها ما عرفت يوما الشقاء.. وبالرغم من أن زيارتي جاءت بعد سبع أشهر من مباغتة جونو لهذه المدينة الوادعة.. إلا أنها تمكنت من استعادة هيبتها وجمالها بكل رصانة وهدوء.. سيدة مدللة.. تستلقي بين أحضان الجبال الحصينة.. يدغدغ موج البحر خاصرتها ..وتستسلم هانئة لقيلولة عذبة تتنفس أريج الريحان وعبق اللبان.. توقظها مداعبة الندى للورود والزهور النضرة .. ويلثم أقدامها موج البحر محملا برغوة ثلجية..تتثاءب بخدر على بساط سندس وتلقي على قامتها بعباءة مطرزة بزهور البيتونيا.. هناك حيث تطل عليك (مطرح) مدينة عريقة بالتجارة - التجارة التي حملت التغيير بهدوء وروية- ،تتأهب لفك خزائن وصناديق التجار من سوق مطرح القديم.. بضائع من كل صنف ونوع جلبها تجار مطرح من سواحل الهند وإفريقيا في رحلة الإياب ،ولابد أن ذهابهم هناك كان محملا بمتنوع الثروات من سواحلها الغنية بالأسماك واللؤلؤ..من هنا أيضا تتمتع المرأة في مسقط بحضور بهي ورزين.. ترف من غير بذخ .. حضور واعي من دون حذلقة .. و البيوت في مسقط حكاية وحدها..لا بيت يشبه الآخر.. إنما يجمع بينها نسق معماري يعلن عن هوية ذات خصوصية ندر أن نجدها في عواصم العالم.. ليس هناك ناطحات سحاب .. فالفضاء يملكه الجميع.. ولم تغير وجهها إرضاء للعصرنة.. لذلك يقبل عليها السياح.. لأن لها لونها ومذاقها الخاص الذي لا يشبه أحد.... الأبواب هناك مسبوغة بالجمال.. كنت كمن يتجول في معرض فن تشكيلي، كل باب لوحة.. وكل شرفة منحوتة مختلفة.. البيوت على علاقة حميمية ببعضها..الضواحي قريبة تدفئ احداها ،حتى الدوائر الرسمية لم تقصى نفسها عن تلك الروح،إذ كيف للمواطن أو الزائر والمسافر أن ينهي إجراءات معاملاته أيا كانت نوعها في مكان واحد إلا في هذه المدينة .. في مسقط جميع الدوائر الحكومية.. السفارات.. الوزارات .. حتى الجمعيات والروابط ... في ضواحي متقاربة.. وتبدو المدينة في كليتها مثل سيدة عصرية.. الشوارع مرسومة بعناية.. والحدائق منسقة بذوق فنان،كل واحدة كأنها حديقة ومتحف في آن..لم تكن (الجهنمية) كما يطلق عليها العمانيون تشبه ما نعرفه عنها.. هنا لا تُرى منها إلا زهور خمرية وبيضاء وبرتقالية.. في تجربة جميلة هناك، رافقت صديقتي في زيارة إلى بيت والدتها في السيب.. في الطريق إلى السيب.. بدت حواف ثوب مسقط مطرزة بألوان زاهية.. شيلات مزركشة مفروشة على مد النظر.. تتوسط الرصيف العريض أشجار تحجب وهج شمس مسقط الحارة عن رؤوس المارة... ربما جاء تصميم الطاقية (الكمة) .. بحيث لا تلتصق بالرأس ليبقي مساحة يتنفس منها الهواء.. وعندما وصلنا،استقبلتني بجلاء عتق الروح المعمارية،وأصالة العائلة العمانية.. بيت عماني مشغول من جريد وسعف النخيل مقام في الحديقة إلى جوار الفيلا .. كما وصفه لي الصديق محمد بن سيف الرحبي في اليوم الأول لي في مسقط.. يميز البيت العماني الصيفي شقوق صغيرة في نسيج البيت تسمح بتسلل الهواء وتظلل البيت أعواد سعف غليظة تقي من حرارة الشمس اللاهبة.. الجميع هنا في خدمة راحة الأم.. لا أحد يتخلف عن تناول طعام الغذاء يوم الجمعة.. إنه يوم الأم تصطف أطباق الحلوى والقهوة العربية والشاي بالحليب.. غرفت صديقتي من عجينة بنية مفرودة على طبق كبير: إنها " عفوسة" مزيج من الرطب المهروسة مع الطحين المحمص بالزبد.. طبق أمي الخاص..مذاق عماني بحت .. مزيج من نخيل الشرقية وقمح خصب والجبل الخضر.. .... كل ما يتصل بالفنون من لوحات ونحاسيات .. صنادبق خشبية .. وفضيات.. سجاجيد ومساند مطرزة.. موجود هنا في فيللا الفنانة بدرية.. لم أصدق كيف انتشلت بدرية وصديقاتها كل هذه التحف واللوحات من الطين الذي خلفه جونو في منزلها وحديقتها.. أينما ذهبت.. تتفحص في النباتات والأشجار إلى أن تجد فسيلة أو بذور.. تضمها في منديل إلى حقيبتها اليدوية.. وما أن تصل الحديقة حتى تسارع إلى غرسها في حديقتها.. أوركيدا من تايلاند مغروسة تحت إبط جريد النخلة.. مقطع مبتور من شجرة ملقى في شارع منسي حملته كما تحمل كنزا وأصبح يتصدر أحد أركان حديقتها.... كنت أظن أن اهتمام بدرية بحديقة المنزل والعائلة لا يمنحها الوقت لعمل آخر.. وكان النقيض،ففي جولة صباحية رافقت بدرية إلى مشغلها.. فيللا صغيرة.. تضم رسومات وتصاميم لعباءات وأثواب وشيلات.. عقود وخواتم وأقراط.. تنشغل بصياغتها بما يتبقى لها من وقت تقضيه بين البيت والأسرة والحديقة.... في غاليري بدرية السويد كل مشغولات وفنون الخليج العربي وبلاد الهند.. مقاعد مذهبة بألوان مبهجة .. وستائر من كل نوع ولون لإعداد كوشة العروس.. أذهلتني بدرية ابنة مسقط العمانية.. كما أذهلت نيكولاس الإغريقي الذي ارتحل عن بلاده منذ 26 عاما لتغدو بدرية وعُمان موطنه وموطن أطفالهما أنس وأنّا وآدم.. : لم أتوقع أن يكون لي هذا العدد من الأصدقاء حين استلمت عملي هنا في مسقط.. لدي أصدقاء واجد.. ولمسقط ميزات محببة لدي،منها اللغة الجميلة والتهذيب والذوق البالغ الذي يميز أبناء عمان..أصبحت الآن أتحدث العربية بشكل جيد .. في الأردن وفي دبي لم أتعلم العربية .. الجميع هناك يحدثونك بالإنجليزية.. هنا لا أتحدث الفرنسية إلا مع أعضاء السفارة فقط..! يقول تيري الدانا مدير المركز الثقافي الفرنسي العماني في مسقط..: حين ولد ابننا "مدين – يان" اتفقت وزوجتي كاتيا التل العربية الأردنية أن يتحدث كل منا معه بلغته الأم.. هو الآن يتحدث العربية كأحد أبناءها وكذلك الفرنسية كما يتقن الإنجليزية التي تعلمها في المدرسة ويستخدمها مع من لا يتقن سواها..! تعمل كاتيا الآن على الإعداد لمعرضها في فن النحت في إبريل وسترعاه كل من السفارة الفرنسية والأردنية في سلطنة عمان. وللعلم فإن عمان هو البلد العربي الوحيد الذي يتشارك مع المركز الثقافي الفرنسي من خلال وزارة التربية والتعليم ماديا وعمليا.. من حيث النفقات والبرامج والنشاطات.. تنظر كاتيا بخوف إلى اليوم الذي سوف يغادرون به عمان: لا أعرف كيف سأتمكن من ترك عٌمان.. أشعر كما لو أنني سأترك قطعة مني.. صديقاتي العمانيات كما لو أنهن قريباتي وأهلي.. الحياة في مسقط بشكل خاص وعمان بشكل عام ممتعة ومريحة.. الناس هنا محبون ودودين أيا كان موقع الواحد منهم ..!…. وفي تجربة أخرى،دعتني صديقة من العذيبة إلى جلسة نسائية في بيت عماني على مرتفع القرم.. غلب على الجلسة الحديث عن الهموم العامة وحتى الخاصة.. ولم تخلو من قفشات محببة من فضيلة الصحفية ذات الحضور البهي.. والتي أعدت المكان بحميمية في منزلها العابق بأريج شجيرات الياسمين وشدو أم كلثوم .. أضفى حضور صديقات من عدن والبحرين والمغرب والسعودية وأيضا من فنزويلا طقسا إنسانيا خالصا.. ساهمت سعاد ولبنى و زليخة ومنى و (وليم) وهذا/ اسم تسمى به الإناث في عمان وليس غربيا/ في شرح مكونات المذاقات العمانية التي حفلت بها مائدة فضيلة.. قبل انتصاف الليل ابتدأت النساء في الاستعداد للمغادرة .. فغدا يوم عمل لدى الجميع.. بعد أن توقفت عن العمل في الصحافة رغم أنها لم تتوقف عن إحساسها الصحفي ..آثرت فضيلة العمل الخاص لتصميم العباءات والشيلات..وتلتقط من هنا وهناك مواضيع لمقالاتها الصحفية.. على شاطئ القرم أقامت هيلدا الألمانية عالمها الجديد في فيللا الشمس.. تبدو هيلدا مستقرة ومنسجمة مع حياتها الجديدة في البيت الكبير تستقبل صديقاتها العمانيات والمقيمات في عمان من مختلف أنحاء العالم.. أعدت البيت ليكون نزلا للسياح والزوار الذين يميلون إلى البيتوتية..حتى في ترحالهم.. على الجدران علقت هيلدا لوحات صورت أبواب البيوت العمانية.. وشكلت مجموعة من الكمة لوحة على جدار البهو..تستمع في طهي الطعام مستعينة بطاهيات حذقات لتجهيز أطعمة تتناسب وأمزجة النزلاء.. .... اصطحبتني سعاد إلى حدائق وساحة الديوان السلطاني.. رغم الجمال الباهر.. فقد أذهلني أن يتاح الاستمتاع في هذه المساحات الشاسعة الوارفة.. كنت أصغي إلى همس تسلل عن كل من قلعة الجلالي والميراني الرابضتين على رؤوس الجبال الصارمة ترويان كيف تمكنت عمان من السيطرة على البحر وحراسة بواباتها الثلاث لمئات السنين.. ... لابد أن لكل مدينة أبوابا حضارية لايلجها إلا من يدرك سر المدن.. مفتاح أي مدينة هو المرأة ،والمرأة في عمان ذات هيبة وجمال وكذلك مدينة مسقط ،وأدل على ذلك مرة اخرى من الأبواب ونسق البيوت.. تبدو أبواب البيوت والحدائق،واسعة وأنيقة ومشغولة بزخرف دقيق..لا تفارق الابتسامة وجهها .. ولا تقع عينيك إلا على ما يسر فيها.. العمارة أنيقة ومنسجمة مع بعضها ومع المكان.. فلا تشويه أو مبالغة في المعمار على شواطئها أو جبالها.. الشوارع نظيفة ومزدانة بالأشجار والأزاهير.. .. ولكل مدينة إيقاع خاص بها أيضا.. هناك مدن تعاني من تسارع في دقات القلب وارتفاع الضغط والكولسترول.. وأخرى تعاني من قصور في القلب وهبوط في الضغط.. مدينتين لم ألمح عليهما أعراض الأمراض العصرية.. مسقط في جنوب جزيرة العرب وفلورنسا شمال إيطاليا.. مدينتين احتفظت كل منهما بهويتها وروحها وبهائها.. .. لتبقى مدينة مسقط وسائر المدن العمانية،مساحة للروح نستمد منها ذائقتنا البصرية والسمعية والجمالية.. مسقط / شباط 2008-02-20

هناك تعليقان (2):

Hana Kareem يقول...

مرحبًا ، أنا سعيد جدًا الآن لأنني حصلت اليوم على قرض بقيمة 80 ألف دولار من هذه الشركة الجيدة بعد أن جربت العديد من الشركات الأخرى ولكن دون جدوى هنا رأيت إعلان Tracy Finance وقررت تجربته واتبعت جميع التعليمات. وهنا أنا سعيد اليوم ، يمكنك أيضًا الاتصال بهم إذا كنت بحاجة إلى قرض سريع ، فاتصل بهم الآن عبر هذا البريد الإلكتروني: (info@tracyfinancefirm.com) أو
Whatsapp: +918448747044

شكرًا

Khaled Ahmed يقول...

البيوت في مسقط بالفعل مميزه للغاية لاعتماد الكثير منها علي دهانات ديكور التي تُستخدم لإضفاء لمسة فنية وجمالية على الجدران والأسقف والأسطح الداخلية. تتميز بمجموعة متنوعة من الألوان والأنماط والتأثيرات التي تسمح للمصممين وأصحاب المنازل بالتعبير عن أنفسهم وتحقيق أجواء فريدة داخل المساحات.